فصل: فصل حُكْمِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل حُكْمِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى

وَأَمَّا حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْيَمِينِ أَمَّا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ لِأَنَّهَا جُرْأَةٌ عَظِيمَةٌ حتى قال الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ كان الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ بِالْحَلِفِ على الْكَذِبِ يَكْفُرُ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى جُعِلَتْ لِلتَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْحَالِفُ بِالْغَمُوسِ مجترىء ‏[‏مجترئ‏]‏ على اللَّهِ عز وجل مُسْتَخِفٌّ بِهِ وَلِهَذَا نهى رسول اللَّهِ عن الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَالطَّوَاغِيتِ لِأَنَّ في ذلك تَعْظِيمًا لهم وَتَبْجِيلًا فَالْوِزْرُ له في الْجَرَاءَةِ على اللَّهِ أَعْظَمُ وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَمُّدَ بِالْحَلِفِ كَاذِبًا على الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَسْمَعُ اسْتِشْهَادَهُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا مجترىء ‏[‏مجترئ‏]‏ على اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمُسْتَخِفٌّ بِهِ وَإِنْ كان غَيْرُهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ ذُكِرَ على طَرِيقِ التَّعْظِيمِ وَسَبِيلُ هذا سَبِيلُ أَهْلِ النِّفَاقِ إن إظْهَارَهُمْ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتِخْفَافٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كان اعْتِقَادُهُمْ بِخِلَافِ ذلك وَإِنْ كان ذلك الْقَوْلُ تَعْظِيمًا في نَفْسِهِ وَصِدْقًا في الْحَقِيقَةِ تَلْزَمُهُمْ الْعُقُوبَةُ لِمَا فيه من الإستخفاف وَكَذَا هذا وَلَكِنْ نَقُولُ لَا يَكْفُرُ بهذا لِأَنَّ فِعْلَهُ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَرَاءَةِ على اللَّهِ تَعَالَى والإستخفاف بِهِ من حَيْثُ الظَّاهِرِ لَكِنَّ غَرَضَهُ الْوُصُولُ إلَى مُنَاهُ وَشَهْوَتِهِ لَا الْقَصْدُ إلَى ذلك وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في سُؤَالِ السَّائِلِ أن الْعَاصِيَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ وَمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَقَدْ كَفَرَ كَيْفَ لَا يَكْفُرُ الْعَاصِي فقال لِأَنَّ فِعْلَهُ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الطَّاعَةِ لِلشَّيْطَانِ لَكِنْ ما فَعَلَهُ قَصْدًا إلَى طَاعَتِهِ وَإِنَّمَا يَكْفُرُ بِالْقَصْدِ إذْ الْكُفْرُ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا بِمَا يَخْرُجُ فِعْلُهُ فِعْلَ مَعْصِيَةٍ فَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ فَلَا تَجِبُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ بِالْيَمِينِ اللَّغْوِ في الْأَيْمَانِ وَأَثْبَتَهَا بِمَا كَسَبَ الْقَلْبُ وَيَمِينُ الْغَمُوسِ مَكْسُوبَةٌ القلب ‏[‏بالقلب‏]‏ فَكَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ ثَابِتَةً بها إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْهَمَ الْمُؤَاخَذَةَ في هذه الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أنها بِالْإِثْمِ أو بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ لَكِنْ فَسَّرَ في الْأُخْرَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ الْآيَةُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ من الْمُؤَاخَذَةِ الْمَذْكُورَةِ في تِلْكَ الْآيَةِ هذه الْمُؤَاخَذَةُ وَبِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ في الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ وَيَمِينُ الْغَمُوسِ مَعْقُودَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْعَقْدِ يَقَعُ على عَقْدِ الْقَلْبِ وهو الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وقد وُجِدَ بِقَوْلِهِ عز وجل في آخِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ الْمَعْهُودَةَ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ على الْعُمُومِ خَصَّ منه يَمِينَ اللَّغْوِ فَمَنْ ادَّعَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ مع ما أَنَّ أَحَقَّ ما يُرَادُ بِهِ الْغَمُوسُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِنَفْسِ الْحَلِفِ دُونَ الْحِنْثِ وَذَلِكَ هو الْغَمُوسُ إذْ الْوُجُوبُ في غَيْرِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ وَلَنَا قَوْلُهُ تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لهم في الْآخِرَةِ‏}‏ الْآيَةُ‏.‏

وَرُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ وهو فيها فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بها مَالًا لَقِيَ اللَّهَ وهو عليه غَضْبَانُ وَرُوِيَ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من حَلَفَ على مِنْبَرِي هذا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالنُّصُوصِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُوجِبَ الْغَمُوسِ الْعَذَابَ في الْآخِرَةِ فَمَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فَقَدْ زَادَ على النُّصُوصِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهَا وما رُوِيَ عن نَبِيِّ الرَّحْمَةِ أَنَّهُ قال لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا من اللِّعَانِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ دَعَاهُمَا إلَى التَّوْبَةِ لَا إلَى الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حَاجَتَهُمَا إلَى بَيَانِ الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ لو كانت وَاجِبَةً كانت أَشَدَّ من حَاجَتِهِمَا إلَى بَيَانِ كَذِبِ أَحَدِهِمَا وَإِيجَابِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّوْبَةِ بِالذَّنْبِ يَعْرِفُهُ كُلُّ عَاقِلٍ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ من غَيْرِ مَعُونَةِ السَّمْعِ وَالْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالسَّمْعِ فلما لم يُبَيِّنْ مع أَنَّ الْحَالَ حَالُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ دَلَّ أنها غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَكَذَا الْحَدِيثُ الذي رُوِيَ في الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ قَضَى لِأَحَدِهِمَا وَذَكَرَ فيه الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ أَنْ يَأْخُذَهُ وهو غَيْرُ الْحَقِّ في ذلك ثُمَّ أَمَرَهُمَا بالإستهام وَأَنْ يُحَلِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ولم يُبَيِّنْ الْكَفَّارَةَ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ لو كانت وَاجِبَةً فَعُلِمَ أنها غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وهو النَّصُّ أو الْإِجْمَاعُ أو الْقِيَاسُ ولم يُوجَدْ وَأَقْوَى الدَّلَائِلِ في نَفْيِ الْحُكْمِ نَفْيُ دَلِيلِهِ‏.‏

أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَظَاهِرُ الإنتفاء وَكَذَا النَّصُّ الْقَاطِعُ لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ لَا يَخْتَلِفُونَ في مَوْضِعٍ فيه نَصٌّ قَاطِعٌ وَالنَّصُّ الظَّاهِرُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا وَإِنْ كان لَا يَجِبُ الِاعْتِقَادُ قَطْعًا فَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ ظَاهِرًا نفى الِاسْتِدْلَالِ بِالْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ وَمِنْ شَرْطِهِ التَّسَاوِي ولم يُوجَدْ لِأَنَّ الذَّنْبَ في يَمِينِ الْغَمُوسِ أَعْظَمُ وما صَلَحَ لِدَفْعِ أَدْنَى الذَّنْبَيْنِ لَا يَصْلُحُ لِرَفْعِ أَعْلَاهُمَا وَلِهَذَا قال إِسْحَاقُ في يَمِينِ الْغَمُوسِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ فيها فَقَوْلُ من يُوجِبُهَا ابْتِدَاءً شَرْعٌ وَنَصْبُ حُكْمٍ على الْخَلْقِ وهو لم يُشْرِكْ في حُكْمِهِ أَحَدًا وَلَا حُجَّةَ له في قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْمُؤَاخَذَةِ في الْجِنَايَاتِ يُرَادُ بها الْمُؤَاخَذَةُ في الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا حَقِيقَةُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْجَزَاءِ

فَأَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ في الدُّنْيَا فَقَدْ تَكُونُ خَيْرًا وَتَكْفِيرًا فَلَا تَكُونُ مُؤَاخَذَةً مَعْنًى وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ إنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِيَمِينِ الْغَمُوسِ ثَابِتَةٌ في الْآخِرَةِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُؤَاخِذُكُمْ‏}‏ إخْبَارٌ أَنَّهُ يُؤَاخِذُ فَأَمَّا قَضِيَّةُ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَيْسَتْ بِمَذْكُورَةٍ فَيَسْتَدْعِي نَوْعَ مُؤَاخَذَةٍ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالِاسْمِ مُرَادَةٌ من هذه الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا إذًا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ فَالْمُرَادُ منه الْيَمِينُ على أَمْرٍ في الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْعَقْدَ هو الشَّدُّ وَالرَّبْطُ في اللُّغَةِ وَمِنْهُ عَقْدُ الْحَبْلِ وَعَقْدُ الْحِمْلِ وَانْعِقَادُ الرِّقِّ وهو ارْتِبَاطُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وقد يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَهْدُ وَكُلُّ ذلك لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا في الْمُسْتَقْبَلِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ قُرِئَتْ بقرائتين ‏[‏بقراءتين‏]‏ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدُ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا عَقْدَ اللِّسَانِ وهو عَقْدُ الْقَوْلِ وَالتَّخْفِيفُ يَحْتَمِلُ الْعَقْدَ بِاللِّسَانِ وَالْعَقْدَ بِالْقَلْبِ وهو الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ فَكَانَتْ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ مُحْكَمَةً في الدَّلَالَةِ على إرَادَةِ الْعَقْدِ بِاللِّسَانِ وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّخْفِيفِ مُحْتَمِلَةً فَيُرَدُّ الْمُحْتَمِلُ إلَى الْمُحْكَمِ لِيَكُونَ عَمَلًا بِالْقِرَاءَتَيْنِ على الْمُوَافِقَةِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ الْمُرَادَ من الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْيَمِينُ على أَمْرٍ في الْمُسْتَقْبَلِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ فيها بِالْحَلِفِ وَالْحِنْثِ عَرَفْنَا ذلك بِقِرَاءَةِ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ وَالْحِنْثُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا في الْيَمِينِ على أَمْرٍ في الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏ وَحِفْظُ الْيَمِينِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ في الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ ذلك تَحْقِيقُ الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وانجاز الْوَعْدِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ في الْمَاضِي وَالْحَالِ وَاَللَّهُ عز وجل الموفق‏.‏

وَأَمَّا يَمِينُ اللَّغْوِ فَلَا كَفَّارَةَ فيها بِالتَّوْبَةِ وَلَا بِالْمَالِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ‏}‏ أَدْخَلَ كَلِمَةَ النَّفْيِ على الْمُؤَاخَذَةِ فَيَدُلُّ على انْتِفَاءِ الْمُؤَاخَذَةِ فيها بِالْإِثْمِ وَالْكَفَّارَةِ جميعا وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا في تَفْسِيرِهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُ من فَسَّرَهَا بِالْيَمِينِ على الْمَعَاصِي في وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ على ما بَيَّنَّا ثُمَّ الْحَالِفُ بِاللَّغْوِ إنَّمَا لَا يُؤَاخَذُ في الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى من الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فإنه يُؤَاخَذُ بِهِ حتى يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَإِنْ كان ظَاهِرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ في نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ عَامًّا عَرَفْنَا ذلك بِالْخَبَرِ وَالنَّظَرِ أَمَّا الْخَبَرُ فَقَوْلُهُ ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَذَكَرَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَاللَّاغِي لَا يَعْدُو هَذَيْنِ فَدَلَّ أَنَّ اللَّغْوَ غَيْرُ دَاخِلٍ في الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ‏.‏

وَأَمَّا النَّظَرُ فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقَعُ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا وَمَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ كان يَمِينًا فَأَعْظَمُ ما في اللَّغْوِ أَنَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَارْتِبَاطَ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ فَيَبْقَى مُجَرَّدَ ذِكْرِ صِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ من غَيْرِ شَرْطٍ فَيَعْمَلُ في إفَادَةِ مُوجَبِهِمَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ وارتباط ‏[‏بالله‏]‏ الجزاء بالشرط فيبقى مجرد ذكربالله تَعَالَى فإن هُنَاكَ إذَا لَغَا الْمَحْلُوفُ عليه يَبْقَى مُجَرَّدُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ اللَّغْوُ في الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا في الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى من الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَسَائِرِ الْأَجْزِيَةِ

وَأَمَّا حُكْمُ الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ وَهِيَ الْيَمِينُ على الْمُسْتَقْبَلِ فَالْيَمِينُ على الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ على فِعْلِ وَاجِبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ على تَرْكِ الْمَنْدُوبِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ على تَرْكِ الْمُبَاحِ أو فِعْلِهِ فَإِنْ كان على فِعْلِ وَاجِبٍ بِأَنْ قال وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ صَلَاةَ الظَّهْرِ الْيَوْمَ أو لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ فإنه يَجِبُ عليه الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ له الِامْتِنَاعُ عنه لِقَوْلِهِ من حَلَفَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ يَأْثَمُ وَيَحْنَثُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كان على تَرْكِ الْوَاجِبِ أو على فِعْلِ مَعْصِيَةٍ بِأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي صَلَاةَ الْفَرْضِ أو لَا أَصُومُ رَمَضَانَ أو قال وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أو لَأَزْنِيَنَّ أو لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا أو لَا أُكَلِّمُ وَالِدِي وَنَحْوَ ذلك فإنه يَجِبُ عليه لِلْحَالِ الْكَفَّارَةُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ يَجِبُ عليه أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيَكُونُ بِالْمَالِ لِأَنَّ عَقْدَ هذه الْيَمِينِ مَعْصِيَةٌ فَيَجِبُ تَكْفِيرُهَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ في الْحَالِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ التي ليس فيها كَفَّارَةٌ مَعْهُودَةٌ وَعَلَى هذا يُحْمَلُ ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ أَيْ عليه أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ لِقَوْلِهِ من حَلَفَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا يَعْصِهِ وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ بِتَحْنِيثِ نَفْسِهِ فيها فَيَحْنَثُ بِهِ وَيُكَفِّرُ بِالْمَالِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال الشَّعْبِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ الْمَعْهُودَةُ في الْيَمِينِ على الْمَعَاصِي وَإِنْ حَنَّثَ نَفْسَهُ فيها لِمَا رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال إذَا حَلَفَ أحدكم على يَمِينٍ فَرَأَى ما هو خَيْرٌ منها فَلْيَأْتِهِ فإنه لَا كَفَّارَةَ بها وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ شُرِعَتْ لِرَفْعِ الذَّنْبِ وَالْحِنْثُ في هذه الْيَمِينِ ليس بِذَنْبٍ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِرَفْعِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ‏.‏

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ من غَيْرِ فصل بين الْيَمِينِ على الْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهَا وَالْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ وهو ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عن يمينهوما رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه فَقَدْ رُوِيَ عنه خِلَافُهُ قال قال رسول اللَّهِ‏:‏ «إذَا حَلَفَ أحدكم بِيَمِينٍ ثُمَّ رَأَى خَيْرًا مِمَّا حَلَفَ عليه فَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الذي هو خَيْرٌ» فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بين حَدِيثَيْهِ فَبَقِيَ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ لنا بِلَا تَعَارُضٍ وَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ على أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا لِعُذْرٍ في الْحَانِثِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْحِنْثِ سَوَاءٌ كان الْحَانِثُ سَاهِيًا أو خَاطِئًا أو نَائِمًا أو مُغْمًى عليه أو مَجْنُونًا فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُهَا لاجل الْمَعْصِيَةِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ في الْيَمِينِ على الْمُبَاحَاتِ إمَّا لِأَنَّ الْحِنْثَ فيها يَقَعُ خُلْفًا في الْوَعْدِ وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ لِأَنَّ الْحَالِفَ وَعَدَ أَنْ يَفْعَلَ وعهد ‏[‏وعاهد‏]‏ اللَّهَ على ذلك فإذا حَنِثَ فَقَدْ صَارَ بِالْحِنْثِ مُخْلِفًا في الْوَعْدِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِيَصِيرَ الْحَلِفُ مَسْتُورًا كَأَنَّهُ لم يَكُنْ أو لِأَنَّ الْحِنْثَ منه يَخْرُجُ مَخْرَجَ الِاسْتِخْفَافِ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى من حَيْثُ الصُّورَةِ مَتَى قُوبِلَ ذلك بِعَقْدِهِ السَّابِقِ لَا من حَيْثُ الْحَقِيقَةِ إذْ الْمُسْلِمُ لَا يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ قَصْدًا لِمُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَةِ الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَوَجَبَ عليه التَّكْفِيرُ جَبْرًا لِمَا هَتَكَ من حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى صُورَةً لَا حَقِيقَةً وَسَتْرًا وَكُلُّ وَاحِدٍ من الْوَجْهَيْنِ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَيَجِبُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ لِرَفْعِ الذَّنْبِ فَنَعَمْ لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ أنه لَا ذَنْبَ‏.‏

وَقَوْلُهُمْ الْحِنْثُ وَاجِبٌ قُلْنَا بَلَى لكن ‏[‏لك‏]‏ من حَيْثُ أنه تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ لَا من حَيْثُ أنه نَقْضُ الْيَمِينِ التي هِيَ عَهْدٌ مع اللَّهِ تَعَالَى بَلْ الْحِنْثُ من هذه الْجِهَةِ ذَنْبٌ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَإِنْ كان على تَرْكِ الْمَنْدُوبِ بِأَنْ قال وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي نَافِلَةً وَلَا أَصُومُ تَطَوُّعًا وَلَا أَعُودُ مَرِيضًا وَلَا أُشَيِّعُ جِنَازَةً وَنَحْوَ ذلك فَالْأَفْضَلُ له أَنْ يَفْعَلَ وَيُكَفِّرَ عن يَمِينِهِ بِالْحَدِيثِ الذي رَوَيْنَا وَإِنْ كان على مُبَاحٍ تَرْكًا أو فِعْلًا كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَالْأَفْضَلُ له الْبِرُّ وَلَهُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ ثُمَّ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ في الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ على الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ قَصَدَ الْيَمِينَ أو لم يَقْصِدْ عِنْدَنَا بِأَنْ كانت على أَمْرٍ في الْمُسْتَقْبَلِ‏.‏

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ من قَصْدِ الْيَمِينِ لِتَجِبَ الْكَفَّارَةُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ فَتَخْصِيصُ هذه الْأَشْيَاءِ بِالذِّكْرِ في التَّسْوِيَةِ بين الْجَدِّ وَالْهَزْلِ منها دَلِيلٌ على أَنَّ حُكْمَ الْجَدِّ وَالْهَزْلِ يَخْتَلِفُ في غَيْرِهَا لِيَكُونَ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ الْمَعْهُودَةِ في الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ مُطْلَقًا عن شَرْطِ الْقَصْدِ إذْ الْعَقْدُ هو الشَّدُّ وَالرَّبْطُ وَالْعَهْدُ على ما بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ أَيْ حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ جَعَلَ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ على الْعُمُومِ عِنْدَ وُجُودِ الْحَلِفِ وَالْحِنْثِ وقد وُجِدَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ مع ما أَنَّ رِوَايَتَهُ الْأُخْرَى مَسْكُوتَةٌ عن غَيْرِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَا يَتَعَرَّضُ لِغَيْرِهَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

ثُمَّ وَقْتُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ في الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ على الْمُسْتَقْبَلِ هو وَقْتُ وُجُودِ الْحِنْثِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال قَوْمٌ وَقْتُهُ وَقْتُ وُجُودِ الْيَمِينِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِعَقْدِ الْيَمِينِ من غَيْرِ حِنْثٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ وَقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ‏}‏ أَيْ كَفَّارَةُ ما عَقَّدْتُمْ من الْأَيْمَانِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَسْتَدْعِي مُضَافًا إلَيْهِ سَابِقًا ولم يَسْبِقْ غَيْرُ ذلك الْعَقْدِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَكَذَا في قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ أَضَافَ الْكَفَّارَةَ إلَى الْيَمِينِ وَعَلَى ذلك تُنْسَبُ الْكَفَّارَةُ إلَى الْيَمِينِ فَيُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْإِضَافَةُ تَدُلُّ على السَّبَبِيَّةِ في الْأَصْلِ وَبِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال من حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها فَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّكْفِيرِ بَعْدَ الْيَمِينِ قبل الْحِنْثِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُحْمَلُ على الْوُجُوبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلْيُكَفِّرْ عن يَمِينِهِ أَضَافَ التَّكْفِيرَ إلَى الْيَمِينِ فَكَذَا في الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ أَمَرَ بِتَكْفِيرِ الْيَمِينِ لَا بِتَكْفِيرِ الْحِنْثِ فَدَلَّ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نهى عن الْوَعْدِ إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذلك غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ‏}‏ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذلك النَّهْيَ في الْيَمِينِ أَوْكَدُ وَأَشَدُّ مِمَّنْ حَلَفَ على شَيْءٍ بِلَا ثُنْيَا فَقَدْ صَارَ عَاصِيًا بِإِتْيَانِ ما نهى عنه فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِدَفْعِ ذلك الْإِثْمِ عنه‏.‏

وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ كَفَّارَةٌ وَالْكَفَّارَةُ تَكُونُ لِلسَّيِّئَاتِ إذْ من الْبَعِيدِ تَكْفِيرُ الْحَسَنَاتِ فَالسَّيِّئَاتُ تُكَفَّرُ بِالْحَسَنَاتِ قال اللَّهُ تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ‏}‏ وَعَقْدُ الْيَمِينِ مَشْرُوعٌ قد أَقْسَمَ رسول اللَّهِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ وَكَذَا الرُّسُلُ الْمُتَقَدِّمَةُ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قال اللَّهُ تَعَالَى خَبَرًا عن إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قال‏:‏ ‏{‏وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ‏}‏ وقال خَبَرًا عن أَوْلَادِ يَعْقُوبَ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُمْ قالوا‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ‏}‏ وَكَذَا أَيُّوبُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْوَفَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ‏}‏ وَالْأَنْبِيَاءُ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ عن الْكَبَائِرِ وَالْمَعَاصِي فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْيَمِينِ لَيْسَتْ بِذَنْبٍ‏.‏

وَرُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا حَلَفْتُمْ فَاحْلِفُوا بِاَللَّهِ وقال لَا تَحْلِفُوا بابائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كان حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أو لِيَذَرْ أَمَرَ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْيَمِينِ ليس بِذَنْبٍ فَلَا يَجِبُ التَّكْفِيرُ لها وَإِنَّمَا يَجِبُ لِلْحِنْثِ لِأَنَّهُ هو الْمَأْثَمُ في الْحَقِيقَةِ وَمَعْنَى الذَّنْبِ فيه أَنَّهُ كان عَاهَدَ اللَّهَ تعالى أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فَالْحِنْثُ يَخْرُجُ مَخْرَجَ نَقْضِ الْعَهْدِ منه فَيَأْثَمُ بِالنَّقْضِ لَا بِالْعَهْدِ وَلِذَلِكَ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وقد جَعَلْتُمْ‏}‏ الْآيَةَ وَلِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ يَخْرُجُ مَخْرَجَ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَعْلِهِ مَفْزَعًا إلَيْهِ وَمَأْمَنًا عنه فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَجِبَ بالكفارة ‏[‏الكفارة‏]‏ مَحْوًا له وَسِتْرًا وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْحَالِفَ يَصِيرُ عَاصِيًا بِتَرْكِ الِاسْتِثْنَاءِ في الْيَمِينِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم تَرَكُوا الِاسْتِثْنَاءَ في الْيَمِينِ ولم يَجُزْ وَصْفُهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ فَدَلَّ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِثْنَاءِ في الْيَمِينِ ليس بِحَرَامٍ وَإِنْ كان تَرْكُهُ في مُطْلَقِ الْوَعْدِ مَنْهِيًّا عنه كَرَاهَةً وَذَلِكَ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏ لِوَجْهَيْنِ‏.‏

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَعْدَ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ افعل غَدًا كَذَا وَكُلُّ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فإن فِعْلَهُ لَا يَتَحَقَّقُ لِأَحَدٍ إلَّا بَعْدَ تَحْقِيقِ اللَّهِ تَعَالَى منه وَلَا يَتَحَقَّقُ منه الِاكْتِسَابُ لِذَلِكَ إلَّا باقداره فَيُنْدَبُ إلَى قِرَانِ الإستثناء بِالْوَعْدِ لِيُوَفَّقَ على ذلك وَيُعْصَمَ عن التَّرْكِ وفي الْيَمِينِ يُذْكَرُ الِاسْتِشْهَادُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى على طَرِيقِ التَّعْظِيمِ قد اسْتَغَاثَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ فَزِعَ فَيَتَحَقَّقُ التَّعْظِيمُ الذي يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَزِيَادَةٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِتَأْكِيدِ الْمَحْلُوفِ عليه خُصُوصًا في الْبَيْعَةِ وَقِرَانُ الِاسْتِثْنَاءِ في مِثْلِ ذلك يُبْطِلُ الْمَعْنَى الذي وُضِعَ له الْعَقْدُ بِخِلَافِ الْوَعْدِ الْمُطْلَقِ‏.‏

وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَتَأْوِيلُهَا من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِمُحَافَظَةِ ما عَقَّدْتُمْ من الْأَيْمَانِ وَالْوَفَاءِ بها كَقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ فَإِنْ تَرَكْتُمْ ذلك فَكَفَّارَتُهُ كَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ فَتَرَكْتُمْ الْمُحَافَظَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏ وَالْمُحَافَظَةُ تَكُونُ بِالْبِرِّ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ على إضْمَارِ الْحِنْثِ أَيْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِحِنْثِكُمْ فِيمَا عَقَّدْتُمْ وَكَذَا في قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ أَيْ إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنَثْتُمْ كما في قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو بِهِ أَذًى من رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أو نُسُكٍ‏}‏ مَعْنَاهُ فَحَلَفَ فَفِدْيَةٌ من صِيَامٍ وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فما اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ‏}‏ مَعْنَاهُ فَتَحَلَّلَ وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كان مِنْكُمْ مَرِيضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ أَيْ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَلْفُوظِ وهو الْقَدْرُ الذي هو سَبَبُ التَّخْفِيفِ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ فَصَارَ اسْتِعْمَالُ الرُّخْصَةِ مُضْمَرًا فيه كَذَلِكَ هَهُنَا لَا تَصْلُحُ الْيَمِينُ التي هِيَ تَعْظِيمُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ فَيَجِبُ إضْمَارُ ما هو صَالِحٌ وهو الْحِنْثُ وَأَمَّا إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ لِلْوُجُوبِ بها بَلْ على إرَادَةِ الْحِنْثِ كَإِضَافَةِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَى الصِّيَامِ وَإِضَافَةِ الدَّمِ إلَى الْحَجِّ وَالسُّجُودِ إلَى السَّهْوِ وَإِنْ لم يَكُنْ ما أُضِيفَ إلَيْهِ سَبَبًا كَذَا هذا‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ روى بِرِوَايَاتٍ رُوِيَ فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ وَرُوِيَ فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ وَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ وَرُوِيَ فَلْيَأْتِ الذي هو خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ يَمِينَهُ وهو على الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا حُجَّةٌ عليهم لَا لهم لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لو كانت وَاجِبَةً بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَقَالَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من حَلَفَ على يَمِينٍ فَلْيُكَفِّرْ من غَيْرِ التَّعَرُّضِ لِمَا وَقَعَ عليه الْيَمِينُ أَنَّهُ مَاذَا وَلَمَا لَزِمَ الْحِنْثُ إذَا كان خَيْرًا ثَمَّ بِالتَّكْفِيرِ فلما خَصَّ الْيَمِينَ على ما كان الْحِنْثُ خَيْرًا من الْبِرِّ بِالنَّقْضِ وَالْكَفَّارَةِ عُلِمَ أنها تَخْتَصُّ بِالْحِنْثِ دُونَ الْيَمِينِ نَفْسِهَا وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِعَقْدِ الْيَمِينِ دُونَ الْحِنْثِ‏.‏

وَاخْتُلِفَ في جَوَازِهَا قبل الْحِنْثِ قال أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ وقال الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ قبل الْحِنْثِ فَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ قبل الْحِنْثِ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كما لو كَفَّرَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْجَرْحِ قبل الْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّهُ كَفَّرَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وقال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى سَبَبِهِ هو الْأَصْلُ فَدَلَّ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَكَانَ هذا تَكْفِيرًا بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ كما في مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالدَّلِيلُ على جَوَازِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ قبل الْحِنْثِ ما رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَفَّرَ قبل الْحِنْثِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ قد مُثِّلَ وَجُرِحَ جِرَاحَاتٍ عَظِيمَةً اشْتَدَّ ذلك على رسول اللَّهِ فَأَقْسَمَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ بِكَذَا كَذَا من قُرَيْشٍ فَنَزَلَ النَّهْيُ عن الْوَفَاءِ بِذَلِكَ وَكَفَّرَ عن يَمِينِهِ وَذَلِكَ تَكْفِيرٌ قبل الْحِنْثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ في مِثْلِ هذه الْيَمِينِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا في الْوَقْتِ الذي لَا يُحْتَمَلُ الْبِرُّ فيه حَقِيقَةً وَذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ فَدَلَّ على جَوَازِ التَّكْفِيرِ لِلْأُمَّةِ قبل الْحِنْثِ إذْ هو قُدْوَةٌ‏.‏

وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ ما يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ إذْ هو في اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ من الْحِنْثِ لِكَوْنِ الْحِنْثِ خُلْفًا في الْوَعْدِ وَنَقْضًا لِلْعَهْدِ وقد قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وقد جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا من بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا‏}‏ وَلِكَوْنِهِ اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى من حَيْثُ الصُّورَةِ وَكُلُّ ذلك مَانِعٌ من الْحِنْثِ فَكَانَتْ الْيَمِينُ مَانِعَةً من الْحِنْثِ فَكَانَتْ مَانِعَةً من الْوُجُوبِ إذْ الْوُجُوبُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا فَكَيْفَ يَكُونُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَلِهَذَا لم يَجُزْ تَعْجِيلُ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ كَذَا بِالْمَالِ بِخِلَافِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجُرْحِ قبل الْمَوْتِ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى فَوَاتِ الْحَيَاةِ عَادَةً فَكَانَ تَكْفِيرًا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَجَازَ‏.‏

وَأَمَّا إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ فَعَلَى إضْمَارِ الْحِنْثِ فَيَكُونُ الْحِنْثُ بَعْدَ الْيَمِينِ سَبَبًا لَا قَبْلَهُ وَالْحِنْثُ يَكُونُ سَبَبًا وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّهُ سَمَّاهُ كفارة ‏[‏كفارته‏]‏ لِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏ذلك كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُكَفِّرُ بِالذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ إلَّا ذَنْبُ الْحِنْثِ فَكَانَ الْمُرَادُ منه إذَا حَلَفْتُمْ وَحَنَثْتُمْ كما يَقْرَأُ ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ قِيلَ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِنَفْسِ الْيَمِينِ أَصْلَ الْوُجُوبِ لَكِنْ يَجِبُ أَدَاؤُهَا عِنْدَ الْحِنْثِ كَالزَّكَاةِ تَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ النِّصَابِ لَكِنْ يَجِبُ الْأَدَاءُ عِنْدَ الْحَوْلِ وَقَوْلُهُ لَا زَكَاةَ في مَالٍ حتى يَحُولَ عليه الْحَوْلُ لِنَفْيِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا لِنَفْيِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ إلَّا وُجُوبُ الْفِعْلِ فَأَمَّا وُجُوبُ غَيْرِ الْفِعْلِ فَأَمْرٌ لَا يُعْقَلُ على ما عُرِفَ في مَوْضِعِهِ على أَنَّهُ لو كان كَذَلِكَ لَجَازَ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ صَامَ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوُجُوبَ غَيْرُ ثَابِتٍ أَصْلًا وَرَأْسًا‏.‏

فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يسمي كَفَّارَةً قبل وُجُوبِهَا كما يُسَمَّى ما يُعَجَّلُ من الْمَالِ زَكَاةً قبل الْحَوْلِ وَكَمَا يُسَمَّى الْمُعَجَّلُ كَفَّارَةً بَعْدَ الْجِرَاحَةِ قبل الْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْحِنْثِ في جَوَازِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ في أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَهِيَ الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ مُرَادَةٌ بِالْآيَةِ فَامْتَنَعَ أَنْ يُرَادَ بها ما يُسَمَّى كَفَّارَةً مجاز ‏[‏مجازا‏]‏ العرضية ‏[‏لعرضية‏]‏ الْوُجُوبِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مُنْتَظِمًا الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَأَمَّا تَكْفِيرُ النبي صلى الله عليه وسلم فَنَقُولُ ذلك في الْمَعْنَى كان تَكْفِيرًا بَعْدَ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ تَكْفِيرٌ بَعْدَ الْعَجْزِ عن تَحْصِيلِ الْبِرِّ فَيَكُونُ تَكْفِيرًا بَعْدَ الْحِنْثِ من حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَنْ حَلَفَ لَآتِيَنَّ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ وَبَيَانُ ذلك أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ عن الْمَعْصِيَةِ وَالْوَفَاءُ بِتِلْكَ الْيَمِينِ مَعْصِيَةٌ إذْ هو نهى عن ذلك فَكَانَتْ يَمِينُهُ قبل النَّهْيِ عن الذي حَلَفَ عليه فَكَانَتْ مُنْعَقِدَةً على فِعْلٍ مُبَاحٍ وَلَمَّا نهى عن تَحْصِيلِ ذلك الْفِعْلِ وَصَارَ ذلك مَعْصِيَةً صَارَ إنْشَاءً وَعَاجِزًا عن الْبِرِّ فَصَارَ حَانِثًا وَإِنْ كان ذلك الْفِعْلُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ في نَفْسِهِ فَكَانَ وَقْتُ يَأْسِهِ وَقْتَ النَّهْيِ لَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَمَّا في حَقِّ غَيْرِ النبي صلى الله عليه وسلم وَقْتُ الْيَأْسِ وَالْعَجْزِ حَقِيقَةً هو وَقْتُ الْمَوْتِ إذْ غَيْرُ النبي صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مَعْصُومٍ عن الْمَعَاصِي فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ لِتَصَوُّرِ وُجُودِ الْبِرِّ مع وَصْفِ الْعِصْيَانِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

فصل بَيَانِ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ عز وجل على نِيَّةِ الْحَالِفِ أو الْمُسْتَحْلِفِ

وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ عز وجل على نِيَّةِ الْحَالِفِ أو الْمُسْتَحْلِفِ فَقَدْ رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ عن أبي حَنِيفَةَ عن حَمَّادٍ عن إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قال الْيَمِينُ على نِيَّةِ الْحَالِفِ إذَا كان مَظْلُومًا وَإِنْ كان ظَالِمًا فَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ إن هذا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جميعا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ على الْمَاضِي فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ في الْيَمِينِ على الْمَاضِي بِالْإِثْمِ فَمَتَى كان الْحَالِفُ ظَالِمًا كان آثِمًا في يَمِينِهِ وَإِنْ نَوَى بِهِ غير ما حَلَفَ عليه لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِالْيَمِينِ إلَى ظُلْمِ غَيْرِهِ‏.‏

وقد رَوَى أبو أُمَامَةَ رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال من اقْتَطَعَ حَقَّ امرىء مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عليه الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ عليه النَّارَ قالوا وَإِنْ كان شيئا يَسِيرًا قال صلى اللَّهُ عليه وسلم وَإِنْ كان قَضِيبًا من أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثًا وروى عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال من حَلَفَ على يَمِينٍ وهو فيها فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بها مَالَ امرىء مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وهو عليه غَضْبَانُ وَأَمَّا إذَا كان مَظْلُومًا فَهُوَ لَا يَقْتَطِعُ بِيَمِينِهِ حَقًّا فَلَا يَأْثَمُ وَإِنْ نَوَى غير الظَّاهِرِ قال وَأَمَّا الْيَمِينُ على الْمُسْتَقْبَلِ إذَا قَصَدَ بها الْحَالِفُ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى فَهُوَ على نِيَّتِهِ دُونَ نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وهو الْعَاقِدُ فَيَنْعَقِدُ على ما عَقَدَهُ‏.‏

فصل الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل

وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل فَهِيَ في الْأَصْلِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا ما ذَكَرْنَا وهو الْيَمِينُ بِالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ وَالْكَعْبَةِ وَالْحَرَمِ وَزَمْزَمَ وَالْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَنَحْوِ ذلك وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِشَيْءٍ من ذلك لِمَا ذَكَرْنَا وقد رُوِيَ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال إذَا حَلَفْتُمْ فَاحْلِفُوا بِاَللَّهِ وَلَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا حُكْمَ له أَصْلًا وَالثَّانِي بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذَا النَّوْعُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ بيمين ‏[‏يمين‏]‏ بِالْقُرَبِ وَيَمِينٌ بِغَيْرِ الْقُرَبِ أَمَّا الْيَمِينُ بِالْقُرَبِ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَلَاةٌ أو صَوْمٌ أو حَجَّةٌ أو عُمْرَةٌ أو بَدَنَةٌ أو هَدْيٌ أو عِتْقُ رَقَبَةٍ أو صَدَقَةٌ وَنَحْوُ ذلك وقد اُخْتُلِفَ في حُكْمِ هذه الْيَمِينِ أَنَّهُ هل يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْمُسَمَّى بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عن عُهْدَتِهِ إلَّا بِهِ أو يَخْرُجُ عنها بِالْكَفَّارَةِ مع الِاتِّفَاقِ على أنها يَمِينٌ حَقِيقَةً حتى أنه لو حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فقال ذلك يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ لِوُجُودِ رُكْنِ الْيَمِينِ وهو ما ذَكَرَهُ وَوُجُودِ مَعْنَى الْيَمِينِ أَيْضًا وهو الْقُوَّةُ على الإمتناع من تَحْصِيلِ الشَّرْطِ خَوْفًا من لُزُومِ الْمَذْكُورِ وَنَذْكُرُ حُكْمَ هذا النَّوْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ في كتاب النَّذْرِ لِأَنَّ هذا التَّصَرُّفَ يُسَمَّى أَيْضًا نَذْرًا مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لِوُجُودِ مَعْنَى النَّذْرِ وهو الْتِزَامُهُ الْقُرْبَةَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ‏.‏

وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ الْقُرَبِ فَهِيَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَلَا بُدَّ من بَيَانِ رُكْنِهِ وَبَيَانِ شَرَائِطِ الرُّكْنِ وَبَيَانِ حُكْمِهِ وَبَيَانِ ما يَبْطُلُ بِهِ الرُّكْنُ أَمَّا الرُّكْنُ فَهُوَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ مَرْبُوطٍ بِالشَّرْطِ مُعَلَّقٍ بِهِ في قَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَمَعْرِفَةِ مَعْنَاهُمَا أَمَّا الْمُسَمَّى بِالشَّرْطِ فما دخل فيه حَرْفٌ من حُرُوفِ الشَّرْطِ وَهِيَ إنْ وإذا وإذا ما وَمَتَى وَمَتَى ما وَمَهْمَا وَأَشْيَاءُ أُخَرُ ذَكَرَهَا أَهْلُ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَأَصْلُ حُرُوفِهِ إن الْخَفِيفَةَ وَغَيْرَهَا دَاخِلٌ عليها لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا في الشَّرْطِ وما سِوَاهَا من الْحُرُوفِ يُسْتَعْمَلُ فيه وفي غَيْرِهِ وهو الْوَقْتُ وَهَذَا أَمَارَةُ الْأَصَالَةِ وَالتَّبَعِيَّةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مع هذه الْحُرُوفِ كُلَّمَا وَعَدَّهَا من حُرُوفِ الشَّرْطِ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ في الْحَقِيقَةِ فإن أَهْلَ اللُّغَةِ لم يَعُدُّوهَا من حُرُوفِ الشَّرْطِ لَكِنْ فيها مَعْنَى الشَّرْطِ وهو تَوَقُّفُ الْحُكْمِ على وُجُودِ ما دَخَلَتْ عليه لِذَلِكَ سَمَّاهُ شرطاوفي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَقَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ إنَّمَا تَوَقَّفَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ على الزوج ‏[‏الزواج‏]‏ وَالشِّرَاءِ لَا على طَرِيقِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ بَلْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ على امْرَأَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَعَلَى عَبْدٍ مُتَّصِفٍ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَيَحْصُلُ الِاتِّصَافُ بِذَلِكَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ وَالشِّرَاءِ وَأَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ الْعَلَامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَمِنْهُ الشُّرْطِيُّ وَالشِّرَاطُ وَالْمِشْرَطُ فسمى ما جَعَلَهُ الْحَالِفُ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ شَرْطًا حتى لو ذَكَرَهُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ لَا يَكُونُ شَرْطًا على ما نَذْكُرُ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَأَمَّا الْمُسَمَّى بِالْجَزَاءِ فما دخل فيه حَرْفُ التَّعْلِيقِ وَهِيَ حَرْفُ الْفَاءِ إذَا كان مُتَأَخِّرًا في الذِّكْرِ عن الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَمَّا إذَا كان الْجَزَاءُ مُتَقَدِّمًا فَلَا حَاجَةَ إلَى حَرْفِ الْفَاءِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ بِدُونِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ قد يَعْقُبُ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ما يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَمِينٌ فَيَخْرُجُ بِهِ من أَنْ يَكُونَ تَطْلِيقًا إلَى كَوْنِهِ يَمِينًا وَتَعْلِيقًا فَلَا حَاجَةَ في مِثْلِ هذا إلَى حَرْفِ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ حُرُوفِ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لِلشَّرْطِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا على الْجَزَاءِ أو تَأَخَّرَ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْفَاءُ بِالْجَزَاءِ لِأَنَّهَا حَرْفٌ يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ من غَيْرِ تراخي ‏[‏تراخ‏]‏ كَقَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي زَيْدٌ فَعَمْرٌو وَالْجَزَاءُ يَتَعَقَّبُ الشَّرْطَ بِلَا تراخي ‏[‏تراخ‏]‏‏.‏

وَأَمَّا مَعْنَى الْجَزَاءِ فَجَزَاءُ الشَّرْطِ ما عُلِّقَ بِالشَّرْطِ ثُمَّ قد يَكُونُ مَانِعًا من تَحْصِيلِ الشَّرْطِ إذَا كان الشَّرْطُ مَرْغُوبًا عنه لِوَقَاحَةِ عَاقِبَتِهِ وقد يَكُونُ حَامِلًا على تَحْصِيلِهِ لِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ لَكِنَّ الْحَمْلَ وَالْمَنْعَ من الْأَغْرَاضِ الْمَطْلُوبَةِ من الْيَمِينِ وَمِنْ ثَمَرَاتِهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ وَالْوَلَدِ بِالنِّكَاحِ فَانْعِدَامُهُمَا لَا يُخْرِجُ التَّصَرُّفَ عن كَوْنِهِ يَمِينًا كَانْعِدَامِ الرِّبْحِ في الْبِيَعِ وَالْوَلَدِ في النِّكَاحِ لِأَنَّ وُجُودَ التَّصَرُّفِ بِوُجُودِ رُكْنِهِ لَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ منه كَوُجُودِ الْبِيَعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَرُكْنُ الْيَمِينِ هُمَا الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ فإذا وُجِدَ كان التَّصَرُّفُ يَمِينًا وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ في مَعْرِفَةِ الْأَسَامِي إلَى أَهْلِ اللُّغَةِ وإنهم يُسَمُّونَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ يَمِينًا من غَيْرِ مُرَاعَاةِ مَعْنَى الْحَمْلِ وَالْمَنْعِ دَلَّ إن ذلك ليس بِشَرْطٍ لِوُقُوعِ التَّصَرُّفِ يَمِينًا‏.‏

وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ في مَسَائِلَ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أو قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أوقال إذَا أو إذَا ما أو مَتَى أو مَتَى ما أو حَيْثُمَا أو مَهْمَا كان يَمِينًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ حتى لو حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فقال ذلك يَحْنَثُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أو رَأْسَ شَهْرِ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لإنعدام حُرُوفِ الشَّرْطِ بَلْ هو إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ وَالشَّهْرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ وَالشَّهْرَ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ في غَدٍ وفي شَهْرٍ وَلَا يَكُونُ ذلك ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قال إذَا جاء غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أو قال إذَا مَضَى غَدٌ أو إذَا جاء رَمَضَانُ أو إذَا ذَهَبَ رَمَضَانُ أو إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أو غَرَبَتْ كان يَمِينًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ وهو الْمَنْعُ أو الْحَمْلُ إذْ لَا يَقْدِرُ الْحَالِفُ على الإمتناع من مَجِيءِ الْغَدِ وَلَا على الْإِتْيَانِ بِهِ فلم يَكُنْ يَمِينًا بِخِلَافِ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ ما في وُجُودِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ خَطَرٌ وهو أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ وَالْغَدُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا فلم يَكُنْ يَمِينًا‏.‏

وَلَنَا أَنَّهُ وُجِدَ ذِكْرُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ مُعَلَّقٍ بِالشَّرْطِ فَكَانَ يَمِينًا وَمَعْنَى الْمَنْعِ أو الْحَمْلِ من أعراض ‏[‏أغراض‏]‏ الْيَمِينِ وَثَمَرَاتِهَا وَحَقَائِقُ الْأَسَامِي تَتْبَعُ حُصُولَ الْمُسَمَّيَاتِ بِذَوَاتِهَا وَذَلِكَ بِأَرْكَانِهَا إلا بِمَقَاصِدِهَا الْمَطْلُوبَةِ منها على ما بَيَّنَّا وَاَللَّهُ عز وجل الموفق‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّرْطَ ما في وُجُودِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ خَطَرٌ وهو أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُوجَدَ وَالْغَدُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ فَالْجَوَابُ عنه من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعٌ أَنَّ هذا من شَرْطِ كَوْنِهِ شَرْطًا بَلْ من شَرْطِ أَنْ يَكُونَ جَائِزَ الْوُجُودِ في الْمُسْتَقْبَلِ وَنَعْنِي بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ الْوُجُودِ وقد وُجِدَ هَهُنَا فَكَانَ التَّصَرُّفُ يَمِينًا على أَنَّ جَوَازَ الْعَدَمِ إنْ كان شَرْطًا فَهُوَ مَوْجُودٌ هَهُنَا لِأَنَّ مَجِيءَ الْغَدِ وَنَحْوِهِ ليس مُسْتَحِيلَ الْعَدَمِ حَقِيقَةً لِجَوَازِ قِيَامِ السَّاعَةِ في كل لَمْحَةٍ كما قال تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وما أَمْرُ السَّاعَةِ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أو هو أَقْرَبُ‏}‏ وَهَذَا لِأَنَّ السَّاعَةَ وَإِنْ كان لها شَرَائِطُ لَا تَقُومُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا ولم يُوجَدْ شَيْءٌ من ذلك في يَوْمِنَا هذا فَيَقَعُ إلا من عن قِيَامِ السَّاعَةِ قبل مَجِيءِ الْغَدِ وَنَحْوُ ذلك لَكِنَّ هذا يُوجِبُ الْأَمْنَ عن الْقِيَامِ إمَّا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَ الْقِيَامِ في نَفْسِهِ لِأَنَّ خَبَرَ الصَّادِقِ عن امْرَأَتِهِ لَا يُوجَدُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أما لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُهُ في نَفْسِهِ حَقِيقَةً وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مَقْدُورُ الْعَبْدِ حتى يَتَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ وَإِنْ كان لَا يُوجَدُ فَكَانَ مَجِيءُ الْغَدِ جَائِزَ الْعَدَمِ في نَفْسِهِ لَا مُسْتَحِيلَ الْعَدَمِ فَكَانَ شَرْطُ كَوْنِهِ شَرْطًا وهو جَوَازُ الْعَدَمِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا فَكَانَ يَمِينًا‏.‏

وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ أو أَرَدْتِ أو أَحْبَبْتِ أو رَضِيَتْ أو هَوِيَتْ لم يَكُنْ يَمِينًا حتى لو كان حَلَفَ لَا يَحْلِفُ لَا يَحْنَثُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّرْطَ مَعْنَاهُ الْعَلَامَةُ وهو ما جَعَلَهُ الْحَالِفُ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ وَالْحَالِفُ هَهُنَا ماجعل قَوْلَهُ إنْ شِئْت عَلَمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَلْ جَعَلَهُ لِتَمْلِيكِ الطَّلَاقِ منها كَأَنَّهُ قال مَلَّكْتُكِ طَلَاقَك أو قال لها اخْتَارِي أو أَمْرُكِ بِيَدِكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ اقْتَصَرَ على الْمَجْلِسِ وما جُعِلَ عَلَمًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَهَذَا لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمَحْضَ ما يَدُلُّ على حُصُولِ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ فَأَمَّا ما يَتَعَلَّقُ وُجُودُهُ بِهِ فإنه لَا يَكُونُ عَلَمًا بَلْ يَكُونُ عِلَّةً لِحُصُولِهِ وَالْمَشِيئَةُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الطَّلَاقُ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ لو قال لِزَوْجَتِهِ إنْ شِئْت طَلَاقَكِ فَطَلِّقِي وإذا لم يُوجَدْ مَعْنَى الشَّرْطِ لم تَكُنِ الْمَشِيئَةُ الْمَذْكُورَةُ شَرْطًا فلم يُوجَدْ أَحَدُ رُكْنَيْ الْيَمِينِ وهو الشَّرْطُ فلم تُوجَدْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ وَكَذَلِكَ لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أنا لم يَكُنْ يَمِينًا حتى لَا يَحْنَثَ في يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ وَلَوْ قال لها إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لم يَكُنْ يَمِينًا لِأَنَّ الْحَالِفَ ما جَعَلَ هذا الشَّرْطَ عَلَمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ بَلْ جَعَلَهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ على وَجْهِ السُّنَّةِ لِأَنَّ مِثْلَ هذا الْكَلَامِ بذكر ‏[‏يذكر‏]‏ عَادَةً كَأَنَّهُ قال أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَكَذَا إذَا قال إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وما زَادَ على هذا يُعْرَفُ في الْجَامِعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فقال كُلُّ امْرَأَةٍ لي تَدْخُلُ هذه الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ أو قال لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت هذه الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَحْنَثُ لَا لِوُجُودِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالدُّخُولِ لِتَعَذُّرِ التَّعْلِيقِ لِانْعِدَامِ حَرْفِهِ بَلْ لِضَرُورَةِ وُجُودِ الِاتِّصَافِ على ما بَيَّنَّا وَالتَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ ظَرْفٌ في وُجُودِ الِاتِّصَافِ فَصَارَ من حَيْثُ أنه تَعَلَّقَ بِهِ بِوَاسِطَةِ الِاتِّصَافِ شَبِيهَ الشَّرْطِ لَا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا ثُمَّ في كَلِمَةِ كُلُّ إذَا دَخَلْت مَرَّةً فَطَلُقَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ ثَانِيًا لم تَطْلُقْ وفي كَلِمَةِ كُلَّمَا تَطْلُقُ في كل مَرَّةٍ تَدْخُلُ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلُّ كَلِمَةُ عُمُومٍ وَإِحَاطَةٍ لِمَا دَخَلَتْ عليه وفي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ في الْعَيْنِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ لَا في الْفِعْلِ وهو الدُّخُولُ فإذا دَخَلَتْ مَرَّةً فَقَدْ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيًا‏.‏

وَأَمَّا في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْكَلِمَةُ على فِعْلِ الدُّخُولِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ما تَرْجِعُ مع ما بَعْدَهَا من الْفِعْلِ مَصْدَرًا لُغَةً يُقَالُ بَلَغَنِي ما قُلْت وَأَعْجَبَنِي ما صَنَعْت أَيْ قَوْلُك وَصُنْعُك فَصَارَتْ الْكَلِمَةُ دَاخِلَةً على الْمَصْدَرِ لَا على من وَقَعَ عليه الْمَصْدَرُ فَيَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْمَصْدَرِ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا‏}‏ يَتَجَدَّدُ التَّبَدُّلُ عِنْدَ تَجَدُّدِ النُّضْجِ وَإِنْ كان الْمَحَلُّ مُتَّحِدًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ دُخُولٍ وقد وُجِدَ الدُّخُولُ في الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا فَلَوْ أنها تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ ذلك ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ في كتاب الطَّلَاقِ‏.‏

وَلَوْ عَقَدَ الْيَمِينَ على التَّزَوُّجِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا بِكُلِّ تَزَوُّجٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى الْمِلْكِ وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْمِلْكِ يَتَعَلَّقُ بِوُجُودِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ وَلَوْ قال لأمرأته أَنْتِ طَالِقٌ لو دَخَلْت الدَّارَ كان يَمِينًا كما لو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وإذا دَخَلْت لِأَنَّ كَلِمَةَ لو تُذْكَرُ لِتَوَقُّفِ الْمَذْكُورِ على وُجُودِ ما دَخَلَتْ عليه قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا من حَوْلِكَ‏}‏ وقال عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عنه‏}‏ فَكَانَتْ في مَعْنَى الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ الْجَزَاءِ على وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ لم يَكُنْ شَرْطًا حَقِيقَةً وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ لو حَسُنَ خُلُقُكِ سَوْفَ أُرَاجِعُكِ لم يَكُنْ يَمِينًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ لِأَنَّ لو ما دَخَلَتْ على الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ على تَرَقُّبِ الرَّجْعَةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ في الْحَالِ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ حَسُنَ خُلُقُكِ رَاجَعْتُكِ وَكَذَلِكَ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ لو قَدِمَ أَبُوكِ رَاجَعْتُكِ كما لو قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ رَاجَعْتُكِ وَهَذَا كُلُّهُ ليس بِيَمِينٍ بَلْ هو عِدَةٌ وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لو دَخَلْتِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُك لم تَطْلُقْ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لم تَطْلُقْ حتى يُطَلِّقَهَا فَإِنْ لم يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قبل مَوْتِهِ أو مَوْتِهَا بِلَا فصل لِأَنَّ هذا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَطَلَّقَهَا إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِنْ لم يطلق ‏[‏يطلقها‏]‏ فَهِيَ طَالِقٌ كَأَنَّهُ قال لِأُطَلِّقَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فلم أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ‏.‏

وَلَوْ قال ذلك لَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ وإذا دَخَلْتِ الدَّارَ ولم يُطَلِّقْهَا حتى مَاتَتْ أو مَاتَ طَلُقَتْ في آخِرِ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبِرِّ في ذلك الْوَقْتِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ ذلك الْوَقْتَ كما لو قال لها أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لم آتِ الْبَصْرَةَ فَمَاتَ قبل أَنْ يَأْتِيَهَا كَذَا هذا وَنَظِيرُهُ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ عَبْدِي حُرٌّ لو دَخَلْت الدَّارَ لَأَضْرِبَنَّكِ إذْ مَعْنَاهُ لَأَضْرِبَنَّكِ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلْتِ ولم أَضْرِبْكِ فَعَبْدِي حُرٌّ وَاَللَّهُ عز وجل الموفق‏.‏

وَرَوَى الْمُعَلَّى عن مُحَمَّدٍ إذَا قال لأمرأته أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ أو أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا مَهْرُكِ عَلَيَّ أو أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا شَرَفُكِ فَهَذَا كُلُّهُ اسْتِثْنَاءٌ وَلَا يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ في مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ من حَيْثُ أنه يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ في الْمُسْتَثْنَى وَالْأَصْلُ أَنَّ هذه الْكَلِمَةَ تُسْتَعْمَلُ في امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ

قال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا من فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عليها يَظْهَرُونَ‏}‏ الْآيَةَ وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ‏}‏ وَيُقَالُ في الْعُرْفِ لَوْلَا الْمَطَرُ لَجِئْتُكَ فَصَارَ مَعْنَى هذا الْكَلَامِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ لَطَلَّقْتُكِ فَلَا يَقَعُ عليها الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ لو قال طَلَّقْتُكِ لَوْلَا دُخُولُكِ الدَّارَ وَكَذَلِكَ لو قال لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ قد طَلَّقْتُكِ أَمْسُ وَكَذَلِكَ لو كان مَكَانَ قد لقد في هذه الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَلِكَ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ أَمْس لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَيْ لَوْلَا دُخُولُك الدَّارَ أَمْس لَطَلَّقْتُكِ

وقال ابن سِمَاعَةَ سمعت أَبَا يُوسُفَ يقول في رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دخل الدَّارَ وَأَكَّدَ ذلك بِالْيَمِينِ كَأَنَّهُ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لم أَكُنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَإِنْ كان لم يَدْخُلْ طَلُقَتْ وَإِنْ كان دخل لم تَطْلُقْ لِأَنَّ هذا ليس بِشَرْطٍ بَلْ هو خَبَرٌ عن الْمَاضِي أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَإِنْ كان كَاذِبًا طَلُقَتْ وَإِنْ كان صَادِقًا لم تَطْلُقْ‏.‏

وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَلَا تَطْلُقُ حتى تَدْخُلَ لِأَنَّ لَا حَرْفُ نَفْيٍ أَكَّدَهُ بِالْحَلِفِ فَكَأَنَّهُ نَفَى دُخُولَهَا وَأَكَّدَ ذلك بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِهَا‏.‏ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ السَّاعَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَخَلْت ليس بِتَعْلِيقٍ بَلْ هو إخْبَارٌ عن دُخُولِهَا الدَّارَ كَأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ عِلَّةً لَكِنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْعِلَّةِ وَسَوَاءٌ كانت دَخَلَتْ الدَّارَ أو لم تَدْخُلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بَعْلَةٍ لم تُوجَدْ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لم تَصِحَّ وبقي الْإِيقَاعُ صَحِيحًا وَرَوَى ابْنَ سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ لِمَا يُذْكَرُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ كانت طَالِقًا السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أُخْرَى لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً السَّاعَةَ وَعَطَفَ الشَّرْطَ عليها بِلَا جَزَاءٍ فَيُضَمَّنُ فيه الْجَزَاءُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَقَعُ في الْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ الدُّخُولِ أُخْرَى وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِكِ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ ثُمَّ جَعَلَ الدُّخُولَ الْمُتَقَدِّمَ عليه عِلَّةً لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَمَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ لِعِلَّةٍ وَقَعَ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أو لم تُوجَدْ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ لو قال أَنْتِ طَالِقٌ لِحَيْضَتِكِ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَلَوْ قال بِحَيْضَتِكِ أو في حَيْضَتِكِ أو بِدُخُولِكِ الدَّارَ أو لِدُخُولِكِ الدَّارَ لم تَطْلُقْ حتى تَحِيضَ أو تَدْخُلَ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ الصاق فَيَقْتَضِي الصاق الطَّلَاقِ بِالْحَيْضَةِ وَالدُّخُولِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا وفي كَلِمَةِ ظَرْفٍ دَخَلَتْ على ما لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ شَرْطًا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا نَذْكُرُهَا في كتاب الطَّلَاقِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ في الْقَضَاءِ حين تَكَلُّمِهِ بِهِ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ في هذا إن الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قُدِّمَ الشَّرْطَ أو إمَّا إنْ أُخِّرَ فَإِنْ قُدِّمَ فَهُوَ على أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ أو قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ أو قال وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ أُخِّرَ الشَّرْطُ فَهُوَ على ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أو قال أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فَالْجَوَابُ ما ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أنها تَطْلُقُ في الْقَضَاءِ حين تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ ما عَلَّقَ الطَّلَاقَ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وهو حَرْفُ الْفَاءِ وكان تَنْجِيزًا لَا تَعْلِيقًا وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّهُ عَنَى ما يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ نَحْوُ إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ في الْجَزَاءِ‏.‏

قال الشَّاعِرُ‏:‏

من يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا *** وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلَانِ

أَيْ فَاَللَّهُ يَشْكُرُهَا وَلَا يَدِينُ في الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ أنها لَا تَطْلُقُ حتى تَدْخُلَ الدَّارَ ووجه ‏[‏ووجهه‏]‏ أَنْ يُحْذَفَ حَرْفُ الْجَزَاءِ تَصْحِيحًا لِلشَّرْطِ إذْ لو لم يُحْذَفْ لَلَغَا وَلَوْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لإنعدام حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْوَاوُ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلتَّعْلِيقِ

وَلَوْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى ما لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَلَوْ أَدْرَجَ فيه الْفَاءَ يَصِيرُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ أَنْتِ دَخَلْت الدَّارَ فو أنت طَالِقٌ وَهَذَا لَغْوٌ وَلَوْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قال وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَالْوَاوُ لَا يُبْتَدَأُ بها وما يَذْكُرُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْوَاوَ قد تَكُونُ لِلِاسْتِئْنَافِ فَمُرَادُهُمْ أَنْ يُبْتَدَأَ كَلَامٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ من غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تُشَارِكُ الْأُولَى فَأَمَّا ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ من غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ شَيْءٌ بِالْوَاوِ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا جَائِزٍ وَإِنْ قال وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّعْلِيقِ وَحَرْفِهِ على أَنَّ الْوَاوَ في مِثْلِ هذا تُذْكَرُ لِلتَّحْقِيقِ كما يُقَالُ لَا تُسَافِرَنَّ وَإِنْ كان الطَّرِيقُ مَخُوفًا‏.‏

وَلَوْ نَوَى التَّعْلِيقَ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ عُدُولٌ عن الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ لِأَنَّهُ نَوَى إضْمَارَ حَرْفِ الْفَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتَلْغُو الْوَاوُ هذا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ فَأَمَّا إذَا أَخَّرَ فقال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ ما لم تَدْخُلْ الدَّارَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الْإِيجَابَ بِمَا أَخْرَجَهُ عن كَوْنِهِ إيجَابًا إلَى كَوْنِهِ يَمِينًا فَلَا حَاجَةَ في مِثْلِ هذا إلَى حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ حين تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّ هذا يُوجِبُ التَّأْكِيدَ على ما بَيَّنَّا

يَدُلُّ عليه قَوْلُهُ من قال لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دخل الْجَنَّةَ وَإِنْ زِنَا وَإِنْ سَرَقَ وَلَوْ قال عَنَيْتُ بِهِ التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْوَاوَ تُجْعَلُ زَائِدَةً كما في قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏حتى إذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ‏}‏ قِيلَ مَعْنَاهُ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ وَالْوَاوُ زِيَادَةٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ اقْتَرَبَ جَوَابُ حتى إذَا‏.‏

وَالْجَوَابُ عن هذا أَنَّ الْوَاوَ في كَلَامِ الْعَرَبِ لم تجيء ‏[‏تجئ‏]‏ زَائِدَةً في مَوْضِعٍ تَصْلُحُ لِلْعَطْفِ أو لِلتَّحْقِيقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ هَهُنَا زَائِدَةً على أَنَّا نَقُولُ إنَّ كَثِيرًا من مُحَقِّقِي أَهْلِ اللُّغَةِ جَعَلَ الْوَاوَ زَائِدَةً في مَوْضِعٍ ما وَكَانُوا يَقُولُونَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ عِنْدَهُمْ حتى إذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ من كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فُتِحَتْ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ فَكَانَتْ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ على الْجَوَابِ الْمُضْمَرِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا قالوا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَطْلُقُ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ فَاصِلَةً لِأَنَّهَا كانت لَغْوًا وَاللَّغْوُ من الْكَلَامِ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْفَاءَ وَإِنْ كان مُسْتَغْنًى عنها في الْحَالِ إلَّا أنها في الْجُمْلَةِ حَرْفُ تَعْلِيقً فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ مَانِعَةً من التَّعْلِيقِ موجهة ‏[‏موجبة‏]‏ لِلِانْفِصَالِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ولم يذكر فِعْلًا هل يَتَعَلَّقُ أَمْ لَا ذَكَرَ هذه الْمَسْأَلَةَ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ في النَّوَادِرِ على قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الطلاق لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لم يذكر ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَرْفَ الشَّرْطِ عُلِمَ أَنَّهُ لم يُرِدْ بِهِ التَّطْلِيقَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ وَالتَّعْلِيقَ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ في الدَّارِ أو في مَكَّةَ فَالْأَصْلُ فيه إن كَلِمَةَ في كلمة ‏[‏مكة‏]‏ ظَرْفٌ فَإِنْ دَخَلَتْ على ما يَصْلُحُ ظَرْفًا تَجْرِي على حَقِيقَتِهَا وَإِنْ دَخَلَتْ على ما لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا تُجْعَلُ مَجَازًا عن الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بين الظَّرْفِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ ثُمَّ الظَّرْفُ نَوْعَانِ ظَرْفُ زَمَانٍ وَظَرْفُ مَكَان فَإِنْ دَخَلَتْ على الْمَكَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ في ذلك الْمَكَانِ وفي غَيْرِهِ بِأَنْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ في الدَّارِ أو في مَكَّةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لم تَكُنِ الْمَرْأَةُ في الدَّارِ وَلَا في مَكَّةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان فإذا وَقَعَ في مَكَان وَقَعَ في الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَإِنْ دَخَلَتْ على الزَّمَانِ فَإِنْ كان مَاضِيًا يَقَعُ الطَّلَاقُ في الْحَالِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ في الْأَمْسِ أو في الْعَامِ الْمَاضِي لِأَنَّ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ في الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ إخْبَارًا أو تَلْغُو الْإِضَافَةُ إلَى الْمَاضِي وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ في الْحَالِ وَكَذَلِكَ إذَا كان حَاضِرًا بِأَنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في هذا الْوَقْتِ أو في هذه السَّاعَةِ يَقَعُ في الْحَالِ وَإِنْ كان مُسْتَقْبَلًا لَا يَقَعُ حتى يَأْتِيَ بِأَنْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في غَدٍ أو في الشَّهْرِ الْآتِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فإذا جُعِلَ الْغَدُ ظَرْفًا له لَا يَقَعُ قَبْلَهُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في دُخُولِكِ الدَّارَ أو في قِيَامِكِ أو في قُعُودِكِ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَتُحْمَلُ الْكَلِمَةُ على الشَّرْطِ مَجَازًا وَكَذَا لو قال أَنْتِ طَالِقٌ في ذَهَابِكِ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّ الذَّهَابَ فِعْلٌ وَكَذَا إذَا قال بِذَهَابِكِ لِأَنَّ الْبَاءَ حَرْفُ الصاق فَيَقْتَضِي الصاق الطَّلَاقِ بِالذَّهَابِ وَذَلِكَ بِتَعْلِيقِهِ بِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في الشَّمْسِ وَهِيَ في الظِّلِّ كانت طَالِقًا لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تَصْلُحُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ وَلَا شَرْطًا له فَإِمَّا أَنْ تَلْغُوَ وَيُرَادَ بها مَكَانُ الشَّمْسِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان‏.‏

وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في صَوْمِكِ كانت طَالِقًا حين يَطْلُعُ الْفَجْرُ إذَا نَوَتْ الصَّوْمَ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِعْلٌ وهو الْإِمْسَاكُ وَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا فَتُجْعَلُ الْكَلِمَةُ مَجَازًا عن الشَّرْطِ وَالْفِعْلُ يَصْلُحُ شَرْطًا فإذا وُجِدَ في أَوَّلِ الْجُزْءِ مع النِّيَّةِ في وَقْتِهِ من أَهْلِهِ فَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في صَلَاتِك لم تَطْلُقْ حتى تَرْكَعَ وَتَسْجُدَ سَجْدَةً لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَا تَصْلُحُ ظَرْفًا كَالصَّوْمِ إلَّا أنها اسْمٌ لافعال مُخْتَلِفَةٍ من الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُتَرَكِّبُ من أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَنْطَلِقُ عليه الِاسْمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا كَالْأَبْلَقِ الْمُتَرَكِّبِ من السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالسَّكَنْجَبِينِ الْمُتَرَكِّبِ عن السُّكَّرِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِ ذلك فما لم تُوجَدْ الْأَفْعَالُ التي وَصَفْنَا لَا يَنْطَلِقُ عليها اسْمُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يَحْنَثُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فإنه اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مُتَّفِقَةِ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ الْإِمْسَاكَاتُ وما تَرَكَّبَ من أَجْزَاءٍ مُتَّفِقَةٍ مُتَجَانِسَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ كُلِّهِ على بَعْضِهِ لُغَةً كَاسْمِ الْمَاءِ أَنَّهُ كما يَنْطَلِقُ على مَاءِ الْبَحْرِ يَنْطَلِقُ على قَطْرَةٍ منه فَكَانَ الْإِمْسَاكُ في أَوَّلِ النَّهَارِ إمْسَاكًا حَقِيقَةً فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في حَيْضِكِ أو في طُهْرِكِ فَإِنْ كان مَوْجُودًا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ وَيَتَوَقَّفُ على وُجُودِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ منه وَقْتُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَيْ في الْوَقْتِ الذي تَكُونِينَ حَائِضًا أو طَاهِرَةً فيه

وَنَظِيرُ هذه الْمَسَائِلِ ما ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ إذَا قال أَنْتِ طَالِقٌ في ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ حين تَكَلَّمَ بِهِ وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في أَكْلِكِ هذا الرَّغِيفَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ما لم تَفْرُغْ من أَكْلِ جَمِيعِ الرَّغِيفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى دَخَلَتْ كَلِمَةُ الظَّرْفِ على الزَّمَانِ وهو يَصْلُحُ ظَرْفًا فَجُعِلَ جَمِيعُ الْوَقْتِ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كان وَقَعَ الطَّلَاقُ في أَوَّلِهِ وفي الثَّانِيَةِ عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِفِعْلِ الْأَكْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا فَصَارَ مُعَلِّقًا الطَّلَاقَ بِفِعْلِ الْأَكْلِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ ما لم يَنْزِلْ كَمَالُ شَرْطِهِ وما يَقُولُهُ مَشَايِخُنَا إنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِ وَمَتَى عُلِّقَ بِفِعْلِ مُمْتَدٍّ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِ هذا صُورَتُهُ وَعِلَّتُهُ وَلَوْ قال لها أَنْتِ طَالِقٌ في مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ قال ذلك لَيْلًا فكما ‏[‏فكلما‏]‏ طَلَعَ الْفَجْرُ من الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُوجَدُ ذلك إلَّا بِمَجِيءِ كل وَاحِدٍ منها وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ قال ذلك في ضَحْوَةٍ من يَوْمِ حَلَفَ فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ طُلُوعِ الْفَجْرِ من الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الذي حَلَفَ فيه لم يَكُنْ معتبر ‏[‏معتبرا‏]‏ التقدم ‏[‏لتقدم‏]‏ مَجِيئِهِ على الشَّرْطِ وَالشَّيْءُ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجِيءُ لَا بِمَا مَضَى‏.‏

وَلَوْ قال أَنْتِ طَالِقٌ في مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ قال ذلك لَيْلًا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ما لم تَغْرُبْ الشَّمْسُ من الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِأَنَّ مُضِيَّ الشَّيْءِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ جُزْئِهِ الْأَخِيرِ فَمُضِيِّ الْأَيَّامِ يَكُونُ بِانْقِضَاءِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ منها وَذَلِكَ يُوجَدُ في هذه السَّاعَةِ وَإِنْ قال ذلك في وَقْتِ ضَحْوَةٍ من النَّهَارِ لَا تَطْلُقُ حتى يجىء ‏[‏يجيء‏]‏ تِلْكَ السَّاعَةُ من الْيَوْمِ الرَّابِعِ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ مُضِيُّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالسَّاعَاتِ فَالْعِبْرَةُ في الْمُضِيِّ بِهِ لَا لِلْأَيَّامِ الْكَامِلَةِ وفي المجىء ‏[‏المجيء‏]‏ لِأَوَائِلِهَا هذا هو الْمُتَعَارَفُ وَلَوْ قال إنْ شَتَمْتُك في الْمَسْجِدِ فَعَبْدِي حُرٌّ فإنه يُعْتَبَرُ في هذا كَوْنُ الشَّاتِمِ في الْمَسْجِدِ حتى يَحْنَثَ سَوَاءٌ كان الْمَشْتُومُ في الْمَسْجِدِ أو غَيْرِهِ وَلَوْ قال إنْ ضَرَبْتُك أو قَتَلْتُك في الْمَسْجِدِ يُعْتَبَرُ فيه مَكَانُ الْمَضْرُوبِ وَالْمَقْتُولِ إنْ كان في الْمَسْجِدِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصْلُ فيه أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ له أَثَرٌ في الْمَفْعُولِ يُعْتَبَرُ فيه مَكَانُ الْمَفْعُولِ وما لَا أَثَرَ له يَظْهَرُ في الْمَفْعُولِ لَا يُعْتَبَرُ فيه مَكَانُهُ بَلْ مَكَانُ الْفَاعِلِ وَعِلَّةُ هذا الْأَصْلِ تُذْكَرُ في الْجَامِعِ إن شاء الله تعالى‏.‏